فتاوى الحج تُعد مرجعًا أساسيًا للمسلمين الراغبين في أداء هذه الفريضة العظيمة، وتتجدد الأسئلة حولها باستمرار لتشمل مختلف الظروف الصحية. من بين هذه الاستفسارات الحيوية، برز تساؤل مهم حول حكم الوقوف بعرفة للمريض الذي يحمل قسطرة بولية متصلة بالمثانة مباشرة. رجل حاج أصابته مشكلة مرضية يوم عرفة، مما جعله غير متحكم في عملية إخراج البول المستمر طول وقت الوقوف. هذا الوضع الصحي الدقيق يطرح تحديًا، لا سيما وأنه لا يستطيع نزع هذه القسطرة ولا إفراغ ما فيها من البول بنفسه. دار الإفتاء المصرية، بفضل علمائها الأجلاء، قدمت إجابة شافية وواضحة، تؤكد على تيسير الشريعة الإسلامية ورفع الحرج عن المرضى.
التساؤل الشرعي وحالة المريض
وصل إلى دار الإفتاء المصرية سؤالٌ مفصلٌ يتعلق بحالة رجل حاج أصيب بمشكلة مرضية يوم عرفة استدعت تركيب قسطرة بولية. هذه القسطرة، المتصلة بالمثانة مباشرة، أدت إلى خروج البول بشكل مستمر ودون تحكم طوال وقت الوقوف بعرفة. المشكلة تفاقمت كون المريض لا يستطيع نزع هذه القسطرة أو إفراغ ما فيها من البول بنفسه، مما يثير تساؤلات حول صحة وقوفه بعرفة في هذه الحال من الناحية الشرعية. هذا النوع من الاستفسارات يعكس أهمية فهم أحكام الطهارة والصلاة في ظروف المرض، وكيف أن الشريعة الإسلامية تراعي حالات الضرورة ورفع الحرج عن المكلفين، خاصة في أداء العبادات الأساسية كالحج.
زيادة دعم تكافل وكرامة إلى 900 جنيه شهريًا
أسعار الفائدة على شهادات الادخار ببنك مصر بعد خفض المركزي
فتاوى الصيام: حكم صيام الغطاس في نهار رمضان
إجابة دار الإفتاء: تيسير ورفع للحرج
أجابت دار الإفتاء المصرية بوضوح لا يدع مجالًا للشك، مؤكدة أن وقوف الرجل المذكور بعرفة حال كونه حاملًا قسطرة بولية يخرج منها البول مستمرًا ويجتمع في كيسها المتصل بالمثانة من خلال أنبوب، هو وقوف صحيح شرعًا. وأوضحت الدار أن المريض لا إثم عليه في ذلك ولا حرج. هذا الحكم الشرعي يستند إلى مبادئ التيسير في الشريعة الإسلامية، والتي ترفع الحرج عن المكلف في حالات الضرورة والعجز. فما دام المريض غير قادر على التحكم في الأمر، ولا يستطيع نزع القسطرة أو إفراغها، فإن حالته تُعامل معاملة أصحاب الأعذار الدائمة، ولا يؤثر ذلك على صحة عبادته.
مفهوم الطهارة لأصحاب الأعذار
توضح هذه الفتوى جانبًا مهمًا من فقه الطهارة في الإسلام، وهو فقه أصحاب الأعذار. فالشخص الذي يعاني من حدث دائم كالذي يخرج منه البول باستمرار بسبب مرض أو عذر قهري، لا يُلزم بتجديد الوضوء لكل صلاة إذا كان الحدث مستمرًا طوال الوقت ولا ينقطع زمنًا يكفي للوضوء والصلاة. يكفيه أن يتوضأ لوقت كل صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي بهذا الوضوء ما شاء من الفرائض والنوافل، حتى لو استمر خروج الحدث. هذا المفهوم يطبق على حالة حامل القسطرة البولية، حيث يُعتبر في حكم صاحب السلس، مما يجعله طاهرًا حكمًا ولا يلزمه إعادة الوضوء أو تغيير الثياب إذا تلوث بها البروج بصورة مستمرة لا يمكن التحكم بها.
تيسير الشريعة في العبادات
تُعد هذه الفتوى مثالًا ساطعًا على تيسير الشريعة الإسلامية في أداء العبادات، خاصة في ظروف المرض والضعف. فالإسلام دين يسر لا عسر، وقد جاء ليخفف عن الناس لا ليعنتهم. مبادئ مثل “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها” و”ما جعل عليكم في الدين من حرج” هي أساس هذه الأحكام. فإذا كان الحاج في حالة لا يستطيع معها التحكم في أمر قاهر كخروج البول المستمر بسبب القسطرة، فإن الشريعة ترفع عنه المؤاخذة وتصحح عبادته، مما يضمن له أداء فريضة الحج دون الشعور بالحرج أو الإثم، ويكفل له الطمأنينة النفسية وهو يؤدي الركن الخامس من أركان الإسلام.
الاستمرارية في خروج البول وأثرها
النقطة الجوهرية في هذه الحالة هي استمرارية خروج البول. فإذا كان البول يخرج باستمرار من خلال القسطرة دون قدرة المريض على التحكم فيه أو إيقافه لفترة كافية للطهارة وأداء المناسك، فإن هذا يضع المريض في خانة أصحاب الأعذار الشرعية. الشريعة الإسلامية تفرق بين خروج الحدث الذي يمكن التحكم فيه، والذي يستلزم الطهارة لكل صلاة، وبين الحدث المستمر الذي لا يمكن التحكم فيه. في الحالة الأخيرة، يُعفى المريض من إعادة الطهارة بشكل متكرر، ويُكتفى بالوضوء مرة واحدة لكل وقت صلاة، مما يتيح له أداء المناسك بيسر وسهولة، مع ضمان صحة حجه وطهارته الحكمية.
أهمية فتاوى دار الإفتاء للحجاج
تُقدم فتاوى دار الإفتاء المصرية خدمة جليلة للحجاج والمعتمرين، حيث توضح لهم الأحكام الشرعية المتعلقة بمناسك الحج والعمرة في مختلف الظروف، وخاصة الحالات المستجدة أو التي تتطلب تفصيلاً خاصًا. هذه الفتاوى مبنية على دراسة عميقة للنصوص الشرعية ومراعاة لظروف الواقع، مما يضمن للحجاج أداء مناسكهم على أكمل وجه وبطمأنينة تامة. إن وجود جهة علمية موثوقة مثل دار الإفتاء يمثل صمام أمان للمسلمين، حيث يمكنهم الرجوع إليها للحصول على الإجابات الصحيحة والتوجيهات السديدة، مما يزيل أي لبس أو حيرة قد تواجههم أثناء أداء الفريضة.