في الساعات الأخيرة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان وعدة دول عربية بمقطع فيديو
يظهر فيه شاب صغير يجلس داخل غرفة طبية بإحدى المستشفيات، متصل بالأجهزة، وكأنه قد خرج
توهّماً من “نوبة اختفاء أو إغماء غير مبرّر”، كما وصفه ناشرو الفيديو.
اللقطات التي انتشرت بسرعة هائلة أثارت موجة واسعة من التساؤلات،
وجعلت القصة تتحول من مجرد فيديو عابر إلى قضية رأي عام تستدعي الوقوف عندها وتحليلها.
المشهد الأول: فيديو يهز السوشيال ميديا
يبدأ الفيديو بلقطة قريبة للشاب الجالس على سرير الفحص، يبدو واعيًا لكنه مذهول ومرتبك،
بينما يقترب منه أحد أفراد الطاقم الطبي لمحاولة تقييم حالته.
تظهر قدمه اليمنى موصولة بجهاز ما، بينما تحيط به أدوات طبية متعددة توحي بأن حالته جاءت
مفاجئة وغير متوقعة.
المثير في الأمر ليس المشهد الطبي نفسه، بل الرواية التي أرفقها ناشرو الفيديو:
“حالة غريبة لشاب انتُشل فجأة من حالة إغماء بعد أن كان في وضع غير مفهوم”.
حادثة غامضة في مطار أمريكي: من تكون صاحبة الجواز الذي لا ينتمي لعالمنا؟
فكرة سريعة لتنظيف المنزل
لحظات مشوقة في قرية عربية: مفاجأة القطط البرية
انتشرت التعليقات ما بين متعاطف، ومندهش، ومشكك، ومتهكم،
حتى أصبح الفيديو خلال ساعات من الأكثر تداولًا، خصوصًا بعد
تداول صفحات لبنانية له تحت عنوان:
“شاب اتنقل إلى المستشفى بعد تعرّضه لنوبة غامضة أثناء اللعب أو المشي في الشارع”.
القصة كما يرويها الشهود
تواصل فريق التحقيق مع عدد من الصفحات التي زعمت أن لديها معلومات حول الحادث،
في محاولة للوصول إلى رواية شبه دقيقة حول ما حصل.
بحسب ما ورد، فإن الشاب كان في طريقه للمنزل حين شعر بدوار شديد،
ثم سقط أرضًا بشكل مفاجئ، ما دفع المارة طلب الإسعاف فورًا.
وبحسب رواية أخرى، كان الشاب يمارس نشاطًا رياضيًا قبل إصابته بالإعياء.
رغم تعدد الروايات، إلا أن القاسم المشترك بينها هو:
السقوط المفاجئ دون سابق إنذار.
الجانب الطبي: ما الذي يمكن أن يسبب مثل هذه الحالات؟
بحسب أطباء متخصصين تحدثنا إليهم، فإن هذه الظواهر شائعة أكثر مما يعتقد الناس،
وتندرج تحت ما يسمى طبياً بـ“الإغماء الوعائي المبهمي”
أو
“Syncope”
وهو فقدان مؤقت للوعي بسبب نقص تدفق الدم المفاجئ إلى الدماغ.
ومن بين الأسباب المحتملة أيضاً:
- انخفاض حاد في ضغط الدم
- هبوط مفاجئ في نسبة السكر
- اضطراب كهرباء القلب للحظات
- الإجهاد الشديد
- التعرض لصدمة نفسية مفاجئة
- الجفاف
- اضطرابات عصبية مؤقتة
أما الحالات الأكثر خطورة — رغم ندرتها — فقد تشمل:
- خلل في صمامات القلب
- اختلالات كهربائية خطيرة
- تشنجات عصبية
- تمزق في أوعية الدماغ
لكن الفيديو، كما يشير الأطباء، لا يكشف أي علامة تدل على أزمة قلبية أو تشنج كامل،
بل يوحي بأن الشاب كان واعياً، وهو ما يعزز فرضية الإغماء المفاجئ أو الانخفاض الحاد في الضغط.
لماذا أثار الفيديو كل هذا الجدل؟
هنا يأتي الجانب الاجتماعي.
في السنوات الأخيرة، أصبح الجمهور أسرع في ربط أي حادث طبي بالغموض، السحر، الطاقة السلبية،
أو الظواهر الخارقة، خصوصًا عند مشاهدة فيديوهات غير مكتملة المعلومات.
ويعترف خبراء الإعلام الرقمي أن الفيديوهات الطبية تحديداً تثير فضول الناس أكثر من غيرها،
لأنها تبدو صادمة وغير مألوفة.
كما ساهم في انتشار الفيديو أيضاً:
- ظهور الشاب مرتبكًا وكأنه “كان في عالم آخر” قبل أن يعود لوعيه.
- غياب الرواية الرسمية من المستشفى.
- استخدام بعض الصفحات لعناوين مثيرة مثل: “اختفاء مفاجئ” أو “جنّ أعاده”.
- وجود أجهزة طبية قد تُفهم بشكل غير صحيح من غير المتخصصين.
- حب الجمهور للفيديوهات الغامضة.
تحليل نفسي للصدمة المفاجئة
يشير علماء النفس إلى أن حالات الإغماء المفاجئ قد تُحدث ارتباكًا نفسيًا لحظيًا بعد الإفاقة،
مما يجعل الشخص يبدو فاقد التركيز أو “غير مدرك لمكانه”،
وهو ما ظهر بوضوح على الشاب في الفيديو.
يقول أحد الأخصائيين:
“عندما يستيقظ الإنسان من نوبة إغماء، قد يشعر لثوانٍ بأنه خارج الزمن أو لا يتذكر أين كان،
وهذا طبيعي تمامًا وغير مخيف”.
ماذا قالت المستشفى؟
حتى لحظة كتابة المقال، لم تصدر المستشفى المعنية بيانًا رسميًا،
لكن مصادر طبية أكدت لنا أن مثل هذه الحالات تصل يوميًا إلى الطوارئ،
وتُعالج غالبًا في خلال ساعة أو ساعتين فقط، ثم يغادر المريض بعد التأكد من استقرار العلامات الحيوية.
هل هناك شبهة تسمّم؟
طرح البعض سؤالاً آخر: هل كانت الحالة ناتجة عن تسمم غذائي أو استنشاق مواد غريبة؟
يجيب الأطباء:
كل شيء ممكن
لكن الفيديو لا يقدم أي مؤشر واضح على ذلك.
عادة ما تظهر حالات التسمم في شكل:
- قيء شديد
- تعرق غزير
- رجفة
- ألم في المعدة
- تشنجات
وبما أن الشاب في الفيديو كان ثابتًا وهادئًا، يستبعد الخبراء فرضية التسمم القوي.
كيف يتصرف الناس عند رؤية حالة مشابهة؟
يوصي الأطباء باتباع الخطوات الآتية:
- الاتصال بالإسعاف فورًا.
- وضع الشخص على جنبه لتجنب الاختناق في حال القيء.
- عدم محاولة إفاقته بالقوة.
- تخفيف ملابسه المحيطة بالرقبة والصدر.
- طمأنته عند استعادة الوعي.
- نقله للمستشفى حتى لو بدا أنه “أصبح بخير”.
السوشيال ميديا: بين الحقيقة والتهويل
من الملاحظ أن انتشار الفيديو لم يكن سببه خطورة الحالة بل “غرابتها”،
وهنا تتضح مشكلة كبيرة:
ثقافة التهويل
إذ يسارع البعض إلى نشر روايات غير دقيقة لزيادة المشاهدات،
وهو ما قد يسبب الذعر أو يعطي انطباعًا خاطئًا بأن المجتمع يواجه “ظواهر غير طبيعية”.
أحد الخبراء يعلق:
“90% من الحالات التي تظهر في فيديوهات الغموض الطبية هي حالات إغماء طبيعية
لكن عرضها المجتزأ يجعلها تبدو مرعبة”.
أهمية الوعي الصحي
تشير الدراسات إلى أن نقص الوعي بالإسعافات الأولية يؤدي إلى تفاقم حالات بسيطة،
خصوصًا بين الشباب، لذلك يدعو المختصون لتوعية المجتمع حول:
- كيفية التعامل مع الإغماء المفاجئ.
- علامات الخطر التي تستدعي تدخلًا سريعًا.
- أهمية الفحوصات الدورية.
- تأثير السهر والإرهاق على الصحة.
الدروس المستفادة من الواقعة
- أهمية التدخل السريع عند حدوث إغماء.
- عدم الانسياق وراء الروايات غير الموثوقة.
- أن الفيديوهات الطبية تحتاج تفسيرًا مهنيًا من مختصين.
- ضرورة تعزيز الصحة النفسية والجسدية للشباب.
▶︎
مشاهدة الفيديو
سيتم تحويلك تلقائيًا بعد العدّاد